كانت تتم عملية مراقبة مستويات المياه في بئر زمزم في السابق بواسطة جهاز رسم أسطواني بسيط (drum hydrograph)، أما في الوقت الراهن فقد تم أسُتبدل هذا الجهاز بنظام مراقبة رقمي أكثر تطوراً ومتعدّد المهام، حيث يقوم برصدٍ دقيقٍ لتذبذب مستوى المياه في البئر بشكل مستمر ودقيق، ورصد قيمة التوصيل الكهربائي، ومجموع الأملاح الذائبة، ودرجة الحموضة، ودرجة الحرارة، والأكسجين المذاب.
ويمكن لمختصي المركز التواصل عن بعد بسهولة مع جهاز الرصد عبر شبكة الاتصالات والشبكة العنكبوتية دون الحاجة لوجود المختصين بشكل دائم من البئر.
كما تم تركيب شبكة آبار مراقبة أخرى على امتداد حوض وادي إبراهيم (أكثر من خمسة وأربعين بئراً) لمراقبة استجابة نظام خزانات المياه الجوفية للتغذية وإعادة التغذية، وزودت بعض من هذه الآبارِ بأجهزة رصد آلية لتسجيل مستوى الماء.
مع الازدياد السنوي المضطرد في عدد الزوار من الحجاج والمعتمرين، زاد الطلب على ماء زمزم، وبالتالي تتجلى مهمّة هيئة المساحة الجيولوجية السعودية ممثلة في مركز دراسات وأبحاث زمزم في تقدير القدرة الإنتاجية الآمنة للبئر، والتوصية بوضع الإجراءات اللازمة والعمل على التوفيق بين زيادة الطلب في المستقبل والمخزون المائي المتوفر لضمان عدم تجاوز الحدود الموضوعة لاستمرارية إعادة التغذية، وذلك من خلال متابعة كمية المياه التي تُضخ من البئر عبر أجهزة قياس رقمية متطورة رُكبت على الأنابيب الخارجية من البئر مباشرة لهدف حصر الكمية المستخرجة وتدقيق الميزان المائي الخاص بالبئر.
أحد أجهزة رصد منسوب المياه داخل بئر زمزم المباركة
عداد حجم المياه المستخرجة من بئر زمزم المباركة
يعمل مركز دراسات وأبحاث زمزم على رصد الخصائص الكيميائية والبكتيرية لمياه البئر والمياه الموجودة داخل شبكات التوزيع الخاصة بمياه زمزم المباركة في كل من المسجد الحرام والمسجد النبوي بشكل مستمر. ومن أجل تحقيق ذلك، يتم جمع عينات من المياه أسبوعياً من بئر زمزم ومن أماكن مختلفة داخل الحرم المكي والمسجد النبوي بما في ذلك الحاويات البلاستيكية وبرادات المياه ومحطات التصفية والتعقيم ومواقع التخزين، وتحلل تلك العينات للكشف عن المحتوى الكيميائي والبكتيري لدى المختبرات المركزية لهيئة المساحة الجيولوجية. كما يتم الرفع للمسؤولين باتخاذ التدابير اللازمة إذا ما تم الكشف عن مكونات غير متوقعة.
جمع عينات ماء زمزم من الحافظات البلاستيكية الموجودو داخل الحرم ضمن برنامج الجودة والنوعية
تُغطّي المنطقةُ السطحيّةُ أَو المنكشف الصخري والرسوبي لوادي إبراهيم مساحة تقدر بخمسة وأربعين كيلومتراً مربعاً، وتحدث إعادة التغذية بشكل محدود لطبقات المياه الجوفية في طمي الوادي من خلال تسرّبِ مياه الأمطار الساقطة مباشرة على المنكشف. وبسبب امتداد التطور العمراني في مكة المكرمة ليشمل بطن الوادي فقد أدى إلى التقليل من تسرّبِ كمية مياه الأمطار الضئيلة أصلاً إلى الطبقات الجوفيةِ التحتية بسبب تغطية سطح الأرض وتَحويل مياه الأمطار إلى أنظمةِ تصريفِ مياه الأمطار إضافة إلى الامتداد العمراني على سفوح الجبال المطلة على الوادي.
أما مناطق المناخ الجاف مثل المملكة العربية السعودية حيث لا يوجد هناك مياه سطحية دائمة، يقتصر إعادة التغذية الطبيعي على سقوط الأمطار التي تسببها العواصفِ القصيرةِ العرضيةِ والسيول الناتجة عنها ويمكن أن يتأثر مخزون المياه بشكل كبير أثناء فتراتِ الجفاف الطويلة، أو أثناء "الضخ الجائر" مِنْ الطبقات الجوفيةِ بدون وجود مصدر مُغذي للمياه الجوفية. وللحفاظ على مخزون المياه الجوفيّةِ في الآبارِ، فإنه من الضَّرُوري إعادة تزويد وتغذية خزان المياه الجوفي بشكل مستمر، إما عن طريق التغذية المباشرة لمياه الأمطار أَو عن طريق تَدَفُّق مياه السيول إلى خزانات المياه الجوفيةِ. لذا، تُعتبر نمذجة إعادة تغذية خزانات المياه الجوفية ضرورية لضمان توازن العرض والطلب لماء زمزم بشكل ملائم. ويقوم مركز دراسات وأبحاث زمزم بتقويم أثر العمران على إعادة التغذية ووضع التوصيات اللازمة للمراقبة والحد من تأثيرها المتزايد على منكشف الطبقات الرسوبية للوادي.
تُعتبر مكة المكرمة مدينة غير عادية بالنسبة لمدن المملكة العربية السعودية، بسبب الإرتفاع النسبي للمباني متعددة الطوابق التي تعود أعمار البعض منها إلى عقود ماضية. إن التطوير العمراني الرأسي يسهم في تَقديم الحلول لمشكلة التوسع العمراني في منطقة حوض وادي إبراهيم، إلاّ أن تنفيذ أساسات عميقة تخترق الخزان الجوفي قدْ تُعرّضَ طبقة المياه الجوفية للتلوّث يحد من حركتها وسريانها أيضاً. وبالتالي فإنه من الضروري وضع إجراءات صارمة لمراقبة البناء العمراني للسماح بالتوسّع العمراني الرأسي في المناطقِ الحسّاسةِ، والتي أشارت إليه خرائط مناسيب المياه الجوفية التي حُسبت من خلال بيانات شبكة آبار المراقبة وبتقدير الأخطار المحتملة على جودة المياه الجوفيّة. كما تساعد الخرائط الجيولوجية الهندسية لمدينة مكة المكرمة في تحديد المناطقِ الخطرة والمناطق الأقل خطورة في التأثير السلبي على خزان المياه الجوفية في المنطقة.
خريطة جيولوجية هندسية لمنطقة المعيصم بمكة المكرمة
يعمل المركز على تقديم الحلولِ لهذه المشاكلِ المعقّدة والمتداخلة من خلال طرح نظرية متكاملة وحديثة ومتعدّدة الوجوه لإدارة مصادر المياه والمحافظة عليها. ومن خلال هذه الأعمالِ، يمكن الحفاظ على نوعية وكمية المخزون في بئر زمزم والمحافظة على تلبية الحاجاتِ الروحيةِ لبليون مسلم من جميع أنحاء العالم.
صُممت أنظمة تصريف مياه الأمطار خصيصاً لمَنْع الفيضانات الناجمة عن تساقط الأمطار على أسطح المباني والطرقات والمناطق المحيطة بها وتوجيهها إلى الوديان أَو إلى المناطقِ الآمنةِ التي يسمح للمياه فيها بالفيضان أو التسرب إلى الأرضِ أَو التبخر. وقد قام المركز بعمل نمذجة مركزة لأنماط التصريف الطبيعية في حوض وادي إبراهيم للتعرف على الطرق والوسائل التي تساعد على التحكم في مياه الأمطار وإصدار خرائط توضح أماكن شح المياه الجوفية داخل الحوض. وقام المركز باقتراح عدة طرق لتصميم قنوات تصريف الأمطار للاستفادة منها في عملية تغذية المياه الجوفية.
كما أن سياسة المركز تتطلب وجود تصميم متكامل لشبكة حصاد الأمطار لجميع المشاريع الحديثة التي تزيد مساحتها عن ألف متر مربع داخل حدود حوض وادي إبراهيم. قام المركز بإصدار خرائط للمستوى التصميمي للمياه الجوفية على كامل وادي إبراهيم مبنية على نتائج النموذج الهيدروجيولوجي الرقمي للحوض، كما يجب الأخذ بها والرجوع إليها عند إصدار تصاريح بناء ضمن حوض وادي إبراهيم.
إن من مسؤوليات ومهام مركز دراسات وأبحاث زمزم بهيئة المساحة الجيولوجية السعودية دراسة وتقييم الأنشطة المؤثرة على طبيعة المياه الجوفية ومراقبة مشاريع التنمية المستقبلية بمشاركة الاستشاريين في بعض المشاريع وتقديم التوصيات الفنية في تصميم الأساسات لمنع أو تخفيف أثرها في المستقبل على نظام المياه الجوفية من حيث النوعية والكمية والتدفق واستخدام النمذجة الرقمية لتحديد تلك التوصيات.